المقالات


إنما نحترمك ما احترمت الأئمه

الأربعاء 09 رجب 1433 هـ , 30 مايو 2012
ذكر الحافظ ابن عساكر عن أحد شيوخه ، ووصفه بأنه أحفظ شيخ لقيه ، وأنه فقيه داوودي ، فذكر قصته معه فقال :
أنه سمعه وقد ذُكر الإمام مالكٌ فقال : جلف جافٍ ، ضرب هشام بن عمار بالدرة .
وقال أيضاً : وقرأت عليه (كتاب الأموال) لأبي عبيد ، فقال وقد مرّ قول لأبي عبيد : ماكان إلا حماراً مغفلاً لايعرف الفقه (يصف أباعبيد بذلك) .
وقال : وقيل لي عنه : أنه قال في إبراهيم النخعي : أعور سوء .
وقال : واجتمعنا يوماً عند ابن السمرقندي ، في قراءة كتاب (الكامل) لابن عدي ، فجاء فيه : وقال السعدي كذا ، فقال : يكذب ابن عدي ، إنما ذا قول إبراهيم الجوزجاني .
فقلت له : فهو السعدي ، فإلى كم نحتمل منك سوء الأدب ، تقول في إبراهيم كذا وكذا ، وتقول في مالك جافٍ ، وتقول في أبي عبيد ...
فغضب وأخذته الرعدة ، وقال : كان ابن الخاضبة والبرداني وغيرهما يخافوني ، فآل الأمر إلى أن تقول في هذا !
فقال له ابن السمرقندي: هذا بذاك .
فقلت: إنما نحترمك ماحترمت الأئمة .
فقال : والله لقد علمتُ من علم الحديث مالم يعلمه غيري ممن تقدم ، وإني لأعلم من صحيح البخاري ومسلم مالم يعلماه .
فقلت مستهزئاً : فعلمك إلهام إذاً ، وهاجرته .
إن في هذه القصة شبهاً لما يحدث ويتكرر في هذه الأيام ، وفيها دروس وعبر .
منها : داء الكبر والغرور والعجب الذي يبتلى به بعض من طلب العلم دون أن يشعر ، فيحمله على ازدراء العلماء وانتقاص الفضلاء ، وسوء الأدب معهم ، ووصفهم بأبشع الصفات ، دون تحرج أوتأثم أوتأنيب ضمير .
ومنها : أن مَن عادتُه تجهيل الناس ، وتصيد أخطائهم ، لابد أن يقع فيما وصف به غيره ، وعندها سيجد من لا يرحمه ، وسيكيل له بمكياله ، ويسقيه من كأسه المر ، وكما قيل الجزاء من جنس العمل .
ومنها : أن كثيراً ممن ابتلوا بهذا الداء ، إذا ووجهوا بأخطائهم ، ونبهوا عليها ، فإن دفاعهم يتركز بذكر مناقبهم المزعومة ، وفضائلهم الموهومه ، ومكانتهم عند الناس ، وذكر إجلال الناس لهم ، ومنزلتهم العلميه ، وكونهم أعلم أهل الأرض جميعاً كما يزعمون ، دون استناد إلى حكم شرعى يؤيدهم فيما ذهبوا إليه ، وهي حيله ضعيفة وحجة هزيلة .
ومنها : أن دواء أمثال هؤلاء ، هو إسداء النصح لهم ، وبيان ماوقعوا فيه من خطأ ، مع مراعاة الأدب في العبارة ، والتزام أدب النصيحة ، فإن لم تغن النصيحة ، ولم تجد الموعظة ، فالزجر بالهجر والقطيعة لمن لايحترم الأئمة ، ولايراعي حرمات الأمة .
قال تعالى : (فلا تعقد بعد الذكرى مع القوم الظالمين) الأنعام 68


عدد الزيارات :  3521